سرطان الرأس والعنق: تأثير شرب القهوة والشاي في تقليل المخاطر

لطالما كان سرطان الرأس والعنق، بما في ذلك السرطان الذي يصيب الفم والحلق والحنجرة، مصدر قلق صحي كبير على مستوى العالم. ولكن الدراسات الحديثة كشفت عن طريقة محتملة لتقليل خطر الإصابة بهذه الأنواع من السرطانات من خلال الاستهلاك المنتظم للقهوة والشاي. أظهرت دراسة رائدة نُشرت في مجلة “CANCER” التابعة لجمعية السرطان الأمريكية وأُجريت من قبل الاتحاد الدولي لعلم وبائيات سرطان الرأس والعنق نتائج واعدة تربط بين استهلاك القهوة والشاي وتقليل خطر الإصابة بهذه الأنواع من السرطانات.

نظرة عامة على الدراسة

تحللت الدراسة البيانات من أكثر من 9,500 شخص مصاب بسرطان الرأس والعنق، جنبًا إلى جنب مع أكثر من 15,700 شخص خالي من السرطان، مما يوفر عينة كبيرة وموثوقة. كان الهدف من الدراسة هو فحص العلاقة بين عادات شرب القهوة والشاي وحدوث سرطان الرأس والعنق. أخذت الدراسة في الاعتبار عوامل مختلفة مثل عدد الأكواب المستهلكة ونوع المشروب (محتوي على كافيين أو خالٍ من الكافيين).

من بين النتائج المهمة، وجد أن شاربين القهوة المنتظمين لديهم انخفاض بنسبة 17% في خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق مقارنة بالأفراد الذين لم يشربوا القهوة. وعند تقسيم البيانات بشكل أكبر، أظهرت استهلاك القهوة انخفاضًا محددًا في أنواع معينة من السرطانات. على سبيل المثال، أولئك الذين شربوا أكثر من أربعة أكواب من القهوة يوميًا كان لديهم خطر منخفض بنسبة 30% للإصابة بسرطان تجويف الفم وخطر منخفض بنسبة 22% للإصابة بسرطان الحلق.

كانت إحدى النتائج الأكثر لفتًا للنظر تتعلق بسرطان الحنجرة السفلى (سرطان الحُنك الفمي السفلي)، وهو سرطان يحدث في أسفل الحلق. الأشخاص الذين تناولوا ثلاثة إلى أربعة أكواب من القهوة المحتوية على الكافيين يوميًا كان لديهم انخفاض كبير في الخطر بنسبة 41% للإصابة بهذا النوع من السرطان. حتى القهوة الخالية من الكافيين كانت تبدو مفيدة، حيث كانت مرتبطة بانخفاض بنسبة 25% في خطر الإصابة بسرطان تجويف الفم.

استهلاك الشاي وتأثيره على مخاطر السرطان

كما أظهرت استهلاك الشاي آثارًا وقائية كبيرة. على وجه الخصوص، كان لدى شاربين الشاي المنتظمين انخفاض بنسبة 29% في خطر الإصابة بسرطان الحُنك الفمي السفلي. حتى أولئك الذين شربوا كوبًا واحدًا فقط من الشاي يوميًا شهدوا انخفاضًا بنسبة 9% في خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق بشكل عام، مع انخفاض أكثر وضوحًا بنسبة 27% في خطر الإصابة بسرطان الحُنك الفمي السفلي.

ومع ذلك، كشفت الدراسة أيضًا عن صورة أكثر تعقيدًا. كان شرب أكثر من كوب واحد من الشاي يوميًا مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بسرطان الحنجرة، مع زيادة بنسبة 38% في احتمالية الإصابة بهذا النوع من السرطان. تشير هذه النتائج إلى أنه بينما قد يوفر الشاي حماية ضد أنواع معينة من السرطان، إلا أن فوائده قد لا تكون موحدة عبر جميع أنواع سرطان الرأس والعنق.

ما وراء الكافيين: المركبات الوقائية الأخرى

في حين أن الكافيين معروف بتحفيزه وتأثيراته الصحية المحتملة، تشير نتائج الدراسة إلى أن المركبات الأخرى الموجودة في القهوة والشاي قد تسهم أيضًا في تأثيراتهما الوقائية. على سبيل المثال، قد تلعب البوليفينولات ومضادات الأكسدة الموجودة في هذه المشروبات دورًا مهمًا في الوقاية من السرطان. وهذا يبرز تعقيد العلاقة بين هذه المشروبات وخطر السرطان، مما يشير إلى أن عوامل أخرى بخلاف محتوى الكافيين قد تكون تلعب دورًا.

إن اكتشاف أن القهوة الخالية من الكافيين تقدم فوائد وقائية مماثلة يدعم هذه الفكرة، مما يدل على أن التأثيرات الإيجابية للقهوة والشاي قد تُعزى إلى مركبات بيولوجية نشطة أخرى، مثل البوليفينولات، التي يُعرف عنها خصائص مضادة للالتهابات ومضادة للأكسدة.

الحاجة إلى المزيد من الأبحاث

على الرغم من أن نتائج هذه الدراسة واعدة، يركز الباحثون على ضرورة إجراء مزيد من الدراسات لفهم التأثيرات طويلة الأمد للقهوة والشاي على الوقاية من السرطان. حذرت المؤلفة الرئيسية للدراسة، الدكتورة يوان-تشين إيمي لي، وهي باحثة بارزة في معهد هانتسمان للسرطان، من أن النتائج الحالية ليست سوى أساس للأبحاث المستقبلية. وقالت: “إن تأثير القهوة والشاي على الوقاية من السرطان لا يزال غير مفهوم تمامًا، والدراسات الإضافية ضرورية لاستكشاف كيفية مساهمة هذه المشروبات في تقليل خطر السرطان بشكل أكثر تفصيلًا”.

إن تعقيد عادات شرب القهوة والشاي، جنبًا إلى جنب مع التأثيرات المتفاوتة على أنواع مختلفة من سرطانات الرأس والعنق، يتطلب فحصًا أعمق لكيفية تفاعل هذه المشروبات مع بيولوجيا الجسم وتطور السرطان. سيكون البحث المستمر أمرًا حاسمًا لفهم نطاق هذه النتائج وتداعياتها على الصحة العامة.

الخاتمة: إدراج القهوة والشاي في النظام الغذائي لصحة أفضل

إن دمج القهوة والشاي في نظام غذائي متوازن قد يكون له فوائد صحية بعيدة المدى، بما في ذلك تقليل خطر الإصابة بسرطان الرأس والعنق. في حين أن نتائج الدراسة واعدة، إلا أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لتوضيح دور هذه المشروبات في الوقاية من السرطان. ومع ذلك، تسلط هذه الرؤى الجديدة الضوء على أهمية اتباع نهج شامل في الوقاية من السرطان، يشمل مجموعة متنوعة من عوامل نمط الحياة، مثل النظام الغذائي، والتمارين الرياضية، والاعتبارات البيئية. ومع استمرار العلماء في استكشاف إمكانات القهوة والشاي في مكافحة السرطان، قد ي考虑 الأفراد دمج هذه المشروبات كجزء من نمط حياة صحي يهدف إلى تقليل خطر الإصابة بالسرطان.

Share Article:

Contributor

Writer & Blogger

Edit Template