على مدار أكثر من 70 عامًا، كانت جوائز غرامي تُعد المعيار العالمي للإنجاز الموسيقي، حيث تمثل التفوق الفني واللمعان في عالم الموسيقى. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، بدأت أكاديمية التسجيل، المؤسسة المسؤولة عن جوائز غرامي الشهيرة، توجه جهودها نحو توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الهدف من ذلك هو تحفيز تطوير صناعة الموسيقى المحلية من خلال التعاون مع الأطراف المعنية في المنطقة.
وفقًا لبانوس أ. باناي، رئيس أكاديمية التسجيل التي مقرها في لوس أنجلوس، فإن المبادرة للتعاون مع المهنيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاءت بعد عدة سنوات من مراقبة تطور مشهد الموسيقى في المنطقة. أدركت أكاديمية التسجيل الفرصة للعب دور فعال في توسع المنطقة من خلال تقديم الإرشاد والموارد للموسيقيين والمحترفين المحليين.
واحدة من الفعاليات الرئيسية التي تجسد هذا الجهد هي “أسبوع الرياض للموسيقى”، وهو مبادرة يقودها “الهيئة السعودية للموسيقى”. خلال هذا الحدث، سيشارك أعضاء من أكاديمية التسجيل في مؤتمرات وندوات حيث سيقومون بتوجيه المهنيين السعوديين في صناعة الموسيقى. وهذه خطوة هامة في تسريع نمو قطاع الموسيقى السعودي، حيث تتيح نقل المعرفة من بعض الشخصيات المؤثرة في صناعة الموسيقى.
باسيفيكو، أحد ممثلي الهيئة السعودية للموسيقى، يبرز أهمية جوائز غرامي كجزء من الأنشطة الأوسع التي تقوم بها أكاديمية التسجيل. تعمل الأكاديمية على أساس من الجذور الشعبية، مع عضوية تضم أكثر من 13,000 عضو حول العالم. بينما تعد جوائز غرامي الجانب الأكثر وضوحًا من عمل الأكاديمية، فإن أكاديمية التسجيل ملتزمة أيضًا بالاحتفاء بجميع الأفراد الذين يساهمون في صناعة الموسيقى، وليس فقط الفنانين البارزين.
تأسست أكاديمية التسجيل في عام 1957 بهدف التعرف على المساهمات المتنوعة في صناعة الموسيقى عبر جميع الأنواع والأدوار. جرت أولى جوائز غرامي في عام 1959، ومنذ ذلك الحين نمت الجوائز لتشمل 83 فئة مختلفة، تتراوح من موسيقى الراب إلى الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الأطفال. وفي عام 1997، وسعت الأكاديمية نطاقها من خلال تأسيس “أكاديمية التسجيل اللاتينية”، التي تشرف على تنظيم جوائز غرامي اللاتينية، وهي حدث مخصص للاحتفاء بالموسيقى والفنانين اللاتينيين.
على الرغم من الاعتراف العالمي لجوائز غرامي، كان هناك عدد قليل جدًا من الفائزين العرب في هذه الجوائز المرموقة. على سبيل المثال، في عام 2004، فاز المنتج المصري فاتي سالما بجائزة غرامي عن عمله في إنتاج ألبوم “مصر” للمغني يوسف نداء، الذي فاز بجائزة أفضل ألبوم موسيقى عالمية معاصرة. بينما فازت باولا عبد، التي والدها سوري، وشاكيرا، التي والدها لبناني، بجوائز غرامي، إلا أنهما ليستا مواطنتين عربيتين، مما يبرز قلة الاعتراف بالفنانين العرب في جوائز غرامي.
لا يزال إنشاء حفل جوائز غرامي مخصص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمرًا بعيدًا. وفقًا لباسيفيكو، فإن إقامة حفل جوائز غرامي خاص بالمنطقة يتطلب أولاً بناء الأسس اللازمة. لكي يتم استضافة مثل هذا الحدث، يجب تعزيز هياكل صناعة الموسيقى في المنطقة ودعم المجتمع المحلي بشكل صحيح. يشير باسيفيكو إلى أن بناء شبكات من المهنيين ضروري لنمو مجتمع الموسيقى. “عندما يدعم الناس بعضهم البعض، ويتعاونون، ويتنافسون بشكل صحي، فإنهم ينمون معًا”، كما يقول. “من خلال هذا الانخراط داخل هذه المجتمعات يأتي إنشاء الجوائز التي تعكس إنجازات تلك الصناعة”.
في إطار مهمتها، تلتزم أكاديمية التسجيل بمساعدة صناع الموسيقى على جميع المستويات. تقدم الأكاديمية برامج تعليمية وموارد ومنصات تركز خصيصًا على احتياجات المهنيين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تهدف هذه المبادرات إلى تجهيز الفنانين والمنتجين وغيرهم من محترفي الصناعة بالمهارات والمعرفة اللازمة للنجاح، مع تعزيز بيئة من التعاون والدعم المتبادل.
كانت الهيئة السعودية للموسيقى أحد المساهمين الرئيسيين في دعم المحترفين المحليين في صناعة الموسيقى، مثل كتاب الأغاني والمنتجين، من خلال توفير مسار مهني واضح لهم. إن احتمال إقامة وجود إقليمي لأكاديمية التسجيل وجوائز غرامي يمكن أن يقدم أيضًا ذروة مهنية لهم للتركيز عليها. سيكون الحصول على جائزة غرامي بلا شك معلمًا مهنيًا كبيرًا للعديد من المحترفين في صناعة الموسيقى في المنطقة.
لا يقتصر دور أكاديمية التسجيل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على منح الجوائز فقط؛ بل يتعلق أيضًا ببناء نظام موسيقي مستدام وشامل. من خلال تشجيع الإرشاد، وتقديم الموارد التعليمية، وخلق مساحات للتعاون، تساعد الأكاديمية في تعزيز المنطقة لتصبح لاعبًا رئيسيًا في الساحة الموسيقية العالمية. من خلال هذه الجهود، تأمل الأكاديمية في رفع مستوى الفنانين المحليين ومنحهم الأدوات اللازمة للنجاح على المستوى الدولي.
بالنظر إلى المستقبل، بينما قد تبقى جوائز غرامي المخصصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حلمًا بعيدًا، فإن المنطقة بالفعل تشهد موجة من النمو والحماسة في صناعة الموسيقى. ومع استمرار الدعم من منظمات مثل أكاديمية التسجيل، فإن حلم استضافة حفل جوائز غرامي في المنطقة يصبح أكثر قابلية للتحقيق. من خلال الاستثمار المستمر والتعاون، قد يصبح هذا الرؤية واقعًا قريبًا.
في الختام، يعد دور أكاديمية التسجيل في صناعة الموسيقى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمرًا بالغ الأهمية. من خلال التزامها بالإرشاد، والتعاون، وتنمية البنية التحتية للصناعة، تساعد الأكاديمية في تشكيل مستقبل الموسيقى في المنطقة. ومع كل خطوة، تقترب المنطقة أكثر من الاعتراف العالمي. بينما قد لا يزال حفل جوائز غرامي مخصص لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بعيدًا، إلا أن المنطقة مستعدة لتحقيق أشياء عظيمة في عالم الموسيقى.