قد يعتقد كثيرون من محبي اقتناء الهواتف الذكية أو مستخدميها أن هذه الهواتف لا تلحق الضرر بالبيئة، ربما قد يرجع هذا الاعتقاد إلى وزن هذه الهواتف الذي لا يتجاوز أكثر من 200 غرام، بيد أن هذا الاعتقاد ليس صحيحا. ورغم خفة وزن الهواتف الذكية، إلا أنها تتسبب بأضرار كبيرة للبيئة كونها تُخلف بصمة كربونية ثقيلة بمعنى أن انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن استخدام الهواتف الذكية كبيرة إذ يقدر أنها مسؤولة عن ما بين 40 كلغ و 80 كلغ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا المستوى، بل أن عملية تصينع الهواتف الذكية تتطلب استخراج معادن ثقلية وفي المقدمة الذهب والكوبالت الذي يُطلق عليه أيضا “الذهب الأزرق”. ويتسبب استخراج هذه المعادن من المناجم والمصافي في تسرب ملوثات ونفايات سامة تلحق الضرر بالتجمعات البشرية قرب المناجم أو مواقع التعدين. ويتزامن هذا مع تهافت كبرى شركات التكنولوجيا الرائدة في مجال تصنيع الهواتف الذكية على إصدار نسخ متطورة وحديثة لتحل محل النسخ القديمة من الهواتف الذكية التي تصنعها هذه الشركات.
وفي هذا الصدد، برزت شركة “فير فون” الهولندية التي قالت إنها تضع حماية البيئة وكوكب الأرض نصب عينيها. ولهذا بدأت الشركة في ابتكار أساليب جديدة ترمي إلى زيادة متوسط عمر منتجاتها عن طريق تسهيل عملية إصلاحها. وأطلقت قبل تسع سنوات إصدارها الأول من هواتفها الذكية الصديقة للبيئة المعروفة باسم “فيرفون”. وفي الوقت الحالي، تستعد الشركة إلى إطلاق هاتفها إصدارها الرابع من هواتفها الذكية “Fairphone 4” الصديقة للبيئة بعد إعلانها عن هذا الإصدار. لكن الأمر يطرح تساؤلا حيال مدى استدامة هذه الهواتف من طراز فيرفون؟
نظرة على هاتف فيرفون الذكي؟
وفقا لتقرير شركة “فير فون” الهولندية الخاص بإعادة التدوير لعام 2017، أقرت الشركة بأن 30 بالمائة فقط من المواد المستخدمة في إصدارها الثاني من هواتف “فير فون يمكن إعادة تدويرها. وفي إصدارها الثالث من هاتف “فير فون” 3 ، ارتفعت النسبة إلى 50 بالمائة. وإزاء ذلك، يصعب مقارنة الأمر مع الشركات المصنعة الأخرى للهواتف الذكية.
وفي ذلك، قالت منظمة “غرينبيس” المدافعة عن البيئة، إن عملاقة التكنولوجيا “آبل” كانت أكثر شفافية مقارنة بباقي منافسيها من مصنعي الهواتف الذكية. ورغم ذلك، فإن الشركة لم تنشر معلومات حول إعادة تدوير هواتفها. ومن أجل توضيح الأمر، فإن غرام من المعادن الثقيلة الثمينة التي يمكن إعادة تدويره من هواتف “فير فون” هو بمثابة غرام لا يجب استخراجه من تفجير منجم أو تعدينه. بيد أنه ما ينقص هواتف “فير فون” غياب وجود خطة تتعلق بإزالة الكربون من منتجاتها.
رغم الأرباح المتزايدة من إعادة معالجتها، فإن 20 بالمائة فقط من النفايات الإلكترونية تخضع للتدوير حتى الآن
في هذا الصدد، قالت مونيك ليمبرزد- المسؤولة في الشركة عن قطاع الابتكار- في مقابلة مع DW، إن الشركة بصدد العمل على تحقيق مثل هذه الأهداف، بيد أنه في الوقت الحالي تسعى الشركة إلى تقليل الانبعاثات من خلال إطالة عمر هواتفها. وأضافت “استطعنا الخروج بنتيجة مفادها أنه إذ قمنا بتحديد العمر الافتراضي لهاتف بما يصل إلى أربع سنوات ونصف، ففي هذه الحالة يمكن خفض بصمتة الكربونية بنسبة 30 بالمائة”. وخلافا للهواتف الذكية الأخرى التي تصنعها الشركات الأخرى، يمكن استبدال المكونات الفردية في هواتف “فير فون” في حالة تلفها أو الرغبة في تحديثها. ولهذا السبب، انتزعت هواتف “فير فون” عشرة من عشرة وفقا لتصنيف موقع “آي فيكست/ iFixit” الأمريكي الذي يقوم بتوفير معلومات عن إصلاح وإعادة استخدام الإلكترونيات، في حين حصلت هواتف iPhone 12 على ستة من عشرة في التصنيف.
وفي هذا السياق، أوضحت ليمبرز أن المؤشرات الأولية تشير إلى أن متوسطعمر الإصدار الثالث من هاتف فيرفون/Fairfone 3″ قد يصل إلى خمس سنوات أي ما يعادل ضعف عمر استخدام الهواتف الذكية العادية. من جانبه، قال ماتياس هويسكين المدير الإداري في موقع “آي فيكست” إن استخدام مثل هذه “التكنولوجيا لفترة أطول يمكن أن يكون له تأثير كبير”. وفي مقابلة مع DW، أضاف بالقول: “إن استبدال هذه الأجهزة كل خمس أو عشر سنوات بدلا من استبدالها كل سنتين إلى ثلاث سنوات، سيُحدث فارقا كبيرا”.
بعض العراقيل
ورغم هذه الطموحات الكبيرة، إلا أن شركة “فيرفون” تواجه مشكلة تتمثل في إشكالية تحديث أنظمة أندرويد التابع لشركة غوغل الذي تعتمد عليه في تشغيل هواتفها الصديقة للبيئة. غوغل تقوم من جهتها بتحديث أنظمة أندرويد كي تواكب أجهزة الهاتف الأحدث، غير أن هواتف فيرفون لا تستجيب لبعض التحديثات الجديدة لأنظمة أندرويد ما يجعلها متخلفة عن الركب. بيد أن الشركة تحاول مواجهة هذه المعضلة عن طريق إبطاء وتيرة التحديثات على هواتفها، لكن المشكلة أن بعض التطبيقات تتطلب اصدارات حديثة من أجل استخدامها بشكل جيد وفعال. وقد أشار هويسكين إلى أن هذه المشكلة قد تعرقل خطط استخدام هواتف ذكية صديقة للبيئة مثل هاتف فيرفون”.
أحد أسباب تراكم النفايات الالكترونية تتمثل في الإقبال على شراء أحدث موديلات الهواتف الجوالة.
وفي هذا الصدد، أوضح “إذا لم يتمكن مستخدم (هواتف فير فون) من إتمام الخدمات المصرفية عبر هاتف بشكل آمن بسبب عدم إنزال التحديثات الأمنية، فإنه ورغم فعالية الهاتف واستمرار عمله بشكل مثالي، إلا أن المستهلك قد يُقدم على استبدله لأنه يريد هاتفا ذكيا آمنا ومحدثا يواكب أحدث الإصدارات”. وأضاف “لذا يتعين على الشركة أن تنمو أكثر وأكثر حتى تستطيع السيطرة على الأمر”. ورغم ذلك، فإن هدف شركة “فير فون” لا يتمثل في المنافسة مع كبار مصنعي الهواتف الذكية، وهو ما أشارت إليه ليمبرز بقولها: “نرغب في تحميل صناع الإلكترونيات مسؤولية أكبر وذلك عن طريق إظهار أن سوق الهواتف يجب أن يتسم بالكثير من الأخلاقيات ويصبح أكثر استدامة”.
هاتف بلا تأثير على البيئة.. هل يمكن هذا؟
وليست شركة “فيرفون” الوحيدة في مجال تصنيع هواتف ذكية صديقة للبيئة ولا تلحق الضرر بكوكبنا إذ طورت شركة “شيفتفوم/ Shiftphone ” الألمانية بعض النماذج لتفوز بجائزة الاستدامة الألمانية لعام 2021. وقد يشير هذا الأمر إلى إفساح المجال أمام تصنيع هواتف ذكية منخفضة التأثير على البيئة، لكن ما مدى تحقيق هذا الطموح على أرض الواقع؟
بدوره، حاول لوفتي بلخير – أستاذ الهندسة في جامعة ماكماستر الكندية والذي شارك في إعداد دراسة تتطرق إلى قياس البصمة الكربونية لأجهزة الشبكات- الإجابة على هذا التساؤل. وجاء في أقواله حول ذلك: “أعتقد أنه من الصعب جدا الوصول إلى صفر تأثير، يبد أن الأمر قد يتعلق بالاقتراب من هذا الهدف”. وفيما يتعلق بهواتف “فير فون”، أشار بلخير إلى أن الأمر لا يرتبط بالشركة أو بالهواتف ذاتها وإنما يرتبط بأجهزة التشغيل إذ يتعين على شركات مثل غوغل أن تلتزم بتصنيع أجهزة تلحق “صفر تأثير” على البيئة.
وأضاف بلخير أنه لا يمكن لشركة واحدة إحداث التغيير المطلوب، بغض النظر عن مدى كون هذه الشركة مبتكرة أو مخلصة في نوايا عدم الإضرار بالبيئة. وشدد على أن الأمر يتطلب انضمام كبرى الشركات، مستدلا على ذلك بما حققته عملاق السيارات الكهربائية تسلا. “لقد تمكنت تسلا حتى عندما كانت شركة صغيرة من إجبار معظم مصنعي السيارات إلى الانضمام إلى مسار تصنيع السيارات الكهربائية، لتصبح تسلا اليوم ذات قيمة سوقية تفوق الشركات الثلاثة الأكبر في